الاثنين، 19 مايو 2014

لماذا يوسا وليس ماركيز؟



اكتشفتُ متلازمة ماركيز/يوسا عندما كنت أقرأ ذكريات عاهرات ماركيز الحزينات لأستعيد ما علق منها بذاكرتي بمناسبة ركوب السيد ماركيز مراكب الشمس.

بالقطع ليست رواية سيئة، لكنها كانت أخف على روحي مما أحبّ الروايات أن تكون، وبحركة آلية وجدتني أبحث عن السيد يوسا، ووجدتني أقرأ مجدداً مدونات دون ريغوبيرتو، لأتناسى عاهرات السيد ماركيز.

في بضع صفحات تستطيع أن تلمس الفارق، السيد ماركيز يولج عضوه الانتلخنسي الزائف في رأسك عندما يستعرض كتّابه وموسيقاه، بالإضافة لعدم عمقه الواضح في الفنون البصريّة، يوسّا دائماً ما يمنحك مداعبة جيّد -فوربلاي يعني- إذ يسترسل في الحديث ليهيّأ الجوّ ويسوق بطريقة ممتعة كلّ ما حول الأشياء، ليصبح الكتاب الذي يذكر أو اللوحة جزءً من الصورة فيعطيها بعداً روائيّاً ويربطها عضويّاً بما حولها، ويهبها أبعاداً ملموسة، ليؤكد على وجهة نظره التي ذكرها على لسان دون ريغوبيرتو أن الأولوية لهذه الكائنات كاملة الحياة، ماركيز يضع الكتب واللوحات في منزلة المتاع، يوسا يضع البشر في منزلة ممتلكات الأعمال الفنيّة.

أمرٌ آخر، عندما يبدأ أحد السيدين بطرح موقف ما أيديولوجيّ أو سياسيّ أو علمي، ستلمس تناولين مختلفين، عندما يعمد السيد/ماركيز إلى طرح موقف ما أشعر بجمود فظّ، يبدو الأمر لي كمن يطرح شيئاً قطعياً لا نقاش فيه، ومع ذلك يبدو الطرح ضعيفاً وهشاً ولم يبذل فيه عناءً معرفيّاً، موقف قشريّ لم يعضّد بحجج كافية كعنوان مقال في مجلة لمحبّي العلوم.
في المقابل، يمكنك أن تلمس بوضوح استرسال يوسا في سرد حججه العقلانية والتعمق العلمي بلغة أدبيّة سلسلة، تجعلك أكثر تحفزاً ورغبة في خوض نقاش علميّ جاد معه حول ما يطرح، لا يبتر النقاش ولا يقفز إلى النتائج، ولا يقرّ حقائق علمية مطلقة، فقط يسوق دلائله وقرائنه المقنعة ثم يفاجئك بلهجة رصينة، أنّ هذا نا بحثتُ وما وجدتُ ولستَ ملزماً بالاقتناع فهذا لا يعنيني، تختفي هنا لمسة الدوجماطيقيّة الماركيزيّة، وتطفو عينا يوسّا الأكثر حدةً في رؤية العلم، ولغته الأكثر تبسيطاً ومصادقة للعقل النقدي.. 
أو هكذا أرى.