السبت، 2 مايو 2015

بروس ويليس الغير قابل للكسر



عندما تشاهد فيلماً يعرضُ في أوّل لقطاته إحصائية تتعلّق بالكوميكس، أعدادها المنشورة دورياً وأسعارها، وتأثيرها، ستتوقع تلقائياً الكثير مما هو تقليدي عن الأفلام المتعلقة بالكوميكس، كثيراً منالبطولة والعنف والضرب المبرح المتداول، هذا ما تتوقعه من فيلم يتصدر ممثلية بروس ويليس، وصامويل ل.جاكسون.


لكن كل ما في هذا الفيلم سيبهرُك، شايمالان سيتأكّد تماماً من مفاجأتِك في كلّ خطوة من خطوات الفيلم، تلقائياً ستذوب في شبه ملحمة سيكولوجيّة، واجتماعية عاصفة بالمشاعر، صهرت في قالب سينماتوجرافيّ بديع، بالمشاهد المربّعة كأنّها "كوميكس ستريبس"، حركة الكاميرا والانتقال السلس، كل ما فيه من البدع يربطُك إنسانيًا وعضويّاً بِه.
كلّ هذا بمصاحبة هذه الدفعة السلسة من الموسيقى، تخلق جوّاً ملائماً تماماً للتوحُّدِ مع ما يحدُث.

الفيلم ليس كوميكياّ  "COMICAL" لكنّه متعلق بعالم الكوميكس "COMICS RELATED"  يتناول معنى أن تكون مهووساً بالكوميكس، وما للكوميكس من قدرة على التحويل، ما يمكنُها أن تبني، بشكل أو بآخر.. عن تقدير الكوميكس كعملٍ فنّي وليس كقصةِ أطفال، كمشهد رفض صامويل إل جاكسون لبيع قطعة فنية مقتطعة من كوميكس لطفل اسمه "جيب"..



بروس ويليس هو فاكهة الفيلم ودرّتُه، أفضل ما أدّى بروس ويليس أمام الشاشة على الإطلاق، يُوضِحُ بشدّة أن بروس ويليس هو أكثرَ من ممثل الأكشن التجاري بصورته النمطيّة المشهورة عنه، بروس ويليس يلعبُ دور الإنسان السوبرهيرو، لكنّه إنسان، عاطفيّ، محبّ، سينتمنتاليّ لدرجة لا تتصورها في مثله، لدرجة أنه قد يؤثر عدم اعترافهِ بقواه نظير أن يبقى مع من يحبّ. هذا كلّه قد يبدو كليشيهياً عندما يقال، لكن عندما تستغرق حوالي نصف الساعة في بناء علاقتك ببروس ويليس فقط، لتفهم ماذا يعني وماذا يعاني، يتحولُ الكليشيه إلى عاطفة صادقة مليئة بالحياة تعيشها أنت، هذا هو جوهر روعة أداء بروس ويليس في هذا الفيلم، أنّه طبيعيٌّ للغاية، إنسانيٌّ للغاية، وأيضاً بطوليُّ للغاية.

الفيلم هو جرعة سوسيوسيكولوجيّةٍ مليئة بالروعة الصوريّة وما وراءها، أفضل أداءات بروس ويليس، وأفضل ما أخرج شايمالان.

الجمعة، 27 مارس 2015

تارَنتينو: القليل من موسيقى Reservoir Dogs

لا يتوجّب على موسيقى الأفلام أن تحدُثَ بشكل عفويٍّ لتكون جيّدة أو العكس، وهناك فارق ما بين العفوية والارتجال، ولا يتوجّب عليها أن تحدث بأيّ شكلٍ عموماً، سواءً كانت موسيقى مكتوبة للفيلم، أو أغانٍ عشوائيّة تلتئم مع خلفيّة الأحداث بصورة عضويّة كالأغان التي تلتصقُ في أحداث حياتِك إلى الأبد، مهما تخيّلت بعدها عن طبيعة الموقف. 


كوينتن لا يفضّل أن يكتب موسيقى خاصّة للفيلم "Original Score" لا أدري بسبب أم بدون سبب، لكن ليس هذا ما يهمّ. في أوّل أربعة أفلام لتارنتينو استخدم أكثر من مئة مقطع موسيقي Soundtrack. هل هذا يعني شيئاً؟ 

القليل من Reservoir Dogs

في مشهد البداية في Reservoir Dogs "المرحلة الحرجة في خلق الأجواء" تأتيك مع صوت ستيفن رايت، ليقدم little Green bag. بعد محادثة المطعم عن أغنية مادونا Like a virgin. 


هذا ما يحدث عندما يكون لديك مجموعة كبيرة ومتنوعة من الموسيقى "في رأسِك بالطبع"، سينساب المشهد على إيقاع معيّن، وستقرر سلفاً هذا الإيقاع، وستقود الموسيقى إيقاع المشهد عوضاً عن صنعه بشكل قسري، الممثلون سيصنعون المشهد بإيحاء من الموسيقى، وغالباً سترى أفضل ممّا تخيّلت.

في أعظم مشاهد تارانتينو في Reservoir Dogs مشهد التعذيب على أغنية السوفت روك Stuck in the middle with you، يحكي أنّهُ عندما كان يكتب سيناريو الفيلم في غرفة نومه، وأثناء مروره بمجموعة تسجيلاته، أتت الأغنية، التأمت مع المشهد، وشكراً.. 

ليس فقط ما أعطته الأغنية هو تجريد لموسيقى تصويرية تحدث بمعزل عن الحدث، بل هي جزء عضويّ من المشهد، غالباً لا تستطيع أن تسمع الأغنية دون أن تشاهد رقصة مايكل مادسن في مخيّلتك، المشهد احتلّ الأغنيّة والعكس بنفس درجة الصحّة.



في نهاية الفيلم، ينصبُ فخاً مع ما يمكن أن تسمّيه Earworm ستظلّ تتردد في أذنك بضعة أيّام على الأقل، وستشاهد معها في كل مرّة تترات النهاية في حلم مستمر، ولن تدري، إيه اللي ودّاك هناك.
اختيار أغنية هاري نيلسون ظاهرة السبعينات -الذي ربما لعب مقتل جون لينون دوراً محورياً في انحداره- والذي كان نجمهُ قد أفل في هذه الفترة -أوائل التسعينات- يضعنا مجدداً أمام الذاكرة الموسيقيّة لتارنتينو، يمكنك دحض ذلك بأنّ الأغنية عصيّة على النسيان فعلاً، ولكن لا خلاف.



الجميل في الأمر أن الموسيقى تعمل دون إقحام، الراديو يدخلها على المشهد بأناقة بالغة، تارنتينو يدخل الموسيقى سواءً براديو أو بجوكبوكس Jukebox كما يليق بجيك، يستخدم الموسيقى كما يليق بجيك، ويمارس هوسَهُ الموسيقي كما يفعل جيك.